17 - 07 - 2024

إيقاع مختلف| نقوش على الحجر

إيقاع مختلف| نقوش على الحجر

كلنا قد تعلمنا ذلك التشبيه المدهش الذى يؤكد أن التعليم فى الصغر كالنقش على الحجر وأن التعليم فى الكبر كالكتابة على الماء، لكن الإذاعى الأديب رضا عبد السلام يعيد اكتشاف معنى جديد لهذا التشبيه المدهش، فلقد اختار لسيرته الذاتية عنوان "نقوش على الحجر"، وكأنه يلخص هذه التجربة الحياتية الفريدة فى هذا العنوان الدال.

أتردد كثيراً فى أن أقول إن رضا واحد من أصحاب الاحتياجات الخاصة أو حتى من أصحاب القدرات الخاصة، فلا أنا ولا أحد ممن اقتربوا منه كثيراً أو قليلاً شعروا فى يوم من الأيام بأنه صاحب احتياج من أى نوع، ولم يشعر أى منا بأنه بحاجة إلى قدرة تعويضية خاصة، لسبب بسيط أنه ليس لديه نقص يحتاج إلى قدرة خاصة للتعويض، صحيح أنه ولد بلا ذراعين أو بتعبيره هو بلا جناحين، إلا أنه لم يشعر يوماً ولم يشعر أحداً بأنه صاحب احتياج خاص أو نقص من أى نوع، كما أنه لم يشعر أبداً بأنه عاجز عن الطيران والتحليق.

فالقلم يستطيع أن يشق طريقه إلى أصابع قدمه ليستقر بينهما تمهيداً للكتابة فى ملحمة صغيرة من ملاحم التحدى الناعم الفارقة، ثم سيقرر القلم بعد ذلك أن يغير مكانه الأثير فينتقل من بين إبهام القدم وسبابته إلى ما بين شفتيه وأسنانه ليصبح الخط أجمل وتصبح الرؤية ممكنة، وكأنه يقول ببساطة معجزة، البدائل أكثر من أن تحصى لمن بحث فى ذاته عن قدراتها المدهشة.

فى "نقوش على الحجر" تتعرف على سيرة حياتية رائعة بلغة أدبية بالغة الروعة، يرويها هذا الفتى الذى أصبح كبيراً لمذيعى إذاعة القرآن الكريم، والذى يمتلك روحاً شديدة التفرد، فلديه ذلك السواء النفسى النبيل الذى يجعله يتحدى ظرفه الخاص تحدياً قوياً ناعماً دون صخب أو ضجيج أو نقمة أو تمرد، هو واع بظرفه الخاص لا ينكره ولا يقع أسيراً له، وكأن له من اسمه نصيباً كبيراً، فهو راض نعم، مسالم نعم، لكنه غير راضخ ولا مستسلم.

الكتاب ملىء بملاحم اجتماعية متجاورة ليس أدفأها المقارنة بين علاقة رضا بأبيه وعلاقة ابنه به، وليس أعجبها ذلك التحليل المجتمعى للحياة فى "كفر الشيخ إبراهيم" وصولاً إلى التحليل الإنسانى لتجارب كبرى على مستوى العالم.

فصول مدهشة متلاحقة تحملك على إعادة اكتشاف ذاتك من حيث أنت تكتشف حياة هذا الإذاعى الأديب الإنسان الذى يعطى الحياة دروساً من حيث هو يتلقى دروس الحياة.

_______
المقال منشور في العدد الأسبوعي من المشهد